009 طُوبَـى لِلْوُدَعَاءِ، لأَنَّهُمْ يَرِثُونَ الأَرْضَ

الموعظة على الجبل ­ التطويبات



أصحاح 5

1     وَلَمَّا رَأَى الْجُمُوعَ صَعِدَ إِلَى الْجَبَلِ، فَلَمَّا جَلَسَ تَقَدَّمَ إِلَيْهِ تَلاَمِيذُهُ.
2     فَفتحَ فاهُ وعَلَّمَهُمْ قَائِلاً:
3     
4     
5     طُوبَـى لِلْوُدَعَاءِ، لأَنَّهُمْ يَرِثُونَ الأَرْضَ

الودعاء هم الذين يذعنون لضعف الآخرين، ولا يقاومون شرهم، بل يغلبونه بالخير (رو21:12).


الشخص الوديع . هو الشخص الهادئ ، الطيب ، البسيط ، الذي لا يخاصم ، ولا يصيح ، ولا يسمع أحد في الشوارع صوته . بعيد عن المخاصمة . بعيد عن المخاصمة ، والمقاومة ، وكثرة النقاش . إنسان مسالم ، مطيع ، ( مهاود) . طيب القلب ، حسن المعاملة مع الناس ، رقيق الطباع ، بشوش … ومثل هذه الصفات الله - فإنه يرث الأرض أيضاً ، لأن سكان الأرض يحبونه ، ويعيش معهم في سلام وهدوء . علي أن القديس أوغسطينوس فسر عبارة 0 يرثون الأرض ) ، بأنها أرض الأحياء " ارض الحياء هذه هي التي قال عنها يوحنا الرائي " ثم رأيت سماء جديدة وارضاً جديدة " ( رؤ 21 : 1 ) ، وهي التي كانت ترمز لها الأرض التي تفيض لبناً وعسلاً 




طوبى للودعاء فإنّهم يرثون الأرض

1- عنف الودعاء
هل من سبيل للحديث عن الوداعة بلغة "التطويبات الإنجيلية" بين بشر يعيشون على هذه الأرض المليئة بالعنف، ولا قوة للوداعة لمقاومة هذا التيار الجارف كالسيل العرمرم الذي نشاهده ونعيشه كل يوم في بلدنا العراق منذ سنتين من تخريب، ونهب، وخطف، وذبح، الآلاف من الأبرياء؟ وقد قال أحدّ المفكرين: "الإنسان للإنسان ذئب". ولِمَ تذمّ الذئاب الجائعة على شراستهم؟ أما الإنسان، فهو شيطان للإنسان! فلا يكتفي بالافتراس، لأنه جائع، ولكنه يميل إلى التدمير والقسوة، ويتغذى بتحقير الآخر. والعنف، كما نرى كلّ يوم، آخذ في الازدياد دون هوادة. إذ يبدو، وكأن عالمنا المعاصر يتخبّط في مستنقع من الدم.


ولربّما نتساءل: لمنْ يُوجّه المسيح تطويباته الإنجيلية، ومن ضمنها الوداعة؟ "طوبى للودعاء..." من ضربك على خدّك الأيمن حوّل له الآخر (لوقا 6/29). لا تقاوم الشرير. ولكن، ما يحدث في الواقع، ان الوداعة متى تنقلب إلى رخاوة، وإلى ضعف تثير الاشمئزاز، مما يضطر المرء إلى رفضها، لأنها شكل من الخنوع، والمذّلة، في وسط ظلم متفشٍّ يعاكس العدالة. وهكذا، تُصبح الوداعة، والحالة هذه، نقصا في الشخصية، بحجة تجنب المشاكل. فهل من الممكن أن تكون الوداعة فضيلة سلبية، أو نقص في الحيوية التي يحتاج إليها المرء دفاعًا عن نفسه وقت الضرورة؟ نحن إزاء تطويبة من المسيح، علينا أن نتخلص من هذه الصورة المشوهة التي تبعد المؤمن عن أقوال المسيح، وعن معنى إنجيله.
فالوداعة، حسب إنجيل متى، لا تتّسم البتة بالخنوع والاستسلام.
ولكن المسيح يظهر شجاعة وبسالة، وذلك بإظهار قوة عجيبة لا تقهر في أقواله الرهيبة التي أطلقها في الوقت المناسب، وتارة أخرى بأعماله، فكانت دواءً ناجعا لمعالجة الحالات الصعبة: "من ليس معي فهو ضدي" (لوقا 11/23). ما جئت لأحمل سلامًا بل سيفًا" . وسيبغضكم جميع الناس من أجل اسمي (متى 10/22). أجل، هذا الشكل من العنف هو أمضى من سيف ذي حدّين. إنّ مظهر يسوع الجليلي الحليم، ينهار عنفه سريعًا، متى يطالبه شعبه بأن يكون له ملكًا أرضيا، ومحاربا باسلا، يختفي عن الأنظار مصليا. وإذا تخيلنا مسيحنا واقفا وجها لوجه أمام القيصر الروماني، فإنه المعلق على الصليب. ولكن، في هذا الصليب تكمن قوة جبارة، أقوى من عنف صالبيه.
لقد أبدل يسوع الضعف الغاشم، وجعله دربا سار فيه نحو الجلجلة، وهكذا إمتصّ العنف واحتواه وحوّله على نفسه نقمة: "ملعون كلّ من علق عل خشبة" فيصبح الإنجيل الذي نادى به قوة لامتصاص العنف وتحويله إلى طاقة من الحب.



2- الودعاء يرثون
تُعلنُ التطويبة أنّ الودعاء يرثون الأرض، نتيجة لحلمهم. نتساءل ما هي هذه الأرض؟ هل هي أرض البشر التي يسكن فيها، نبين ونعمّر، نأكل ونشرب، كما يفعل النبات والحيوان؟ كلا. إنّ الأرض التي تعلنها التطويبة هي "أرض الميعاد"، وانّ وراثتها متعلّقة بالموعد. إنّها أرض مقدسة، أرض للشعب المختار. وكيف السبيل للدخول في أرض الميعاد؟ لا يمكن الدخول فيها إلاّ من خلال اجتياز صحراء "الخروج"، والاقامة فيه فترة طويلة، لكي يتعرض لعملية التطهير، أو لا يموت فينا الإنسان القديم. هذه الأرض هي مُلك لله وحده، فهو يعطيها التطهير أكثر منه نفتحها ونستولي عليها. وقد مهّد الله الطريق، وأخرج منها أمما قديرة ليعطيها لشعبه (تثنية 4/38).
لقد وضعنا الله في هذه الأرض تحت شرط، فلا يحق لنا أن نترسخ فيها في استقرار نهائي.
إننا ننا منها حصة، ونتقاسم بها مع اخوتنا. وبالمقاسمة نرتبط مع إخوتنا بعلاقات طيّبة. ومن أجل هذه العلاقات الطيبة يحقّ لنا السكن فيها. فلن يكون موضوع اكتسابها مطلق، بل استخدامها لمشروع اجتماعي وأخوي.


3-الوحدة في التطويبة
فلئن قلنا أن الودعاء يرثون الأرض، فما علاقة الوداعة بالأرض؟ والوحدة بينهما؟ لابّد من الشعور أنَّ أرض الميعاد هي سريعة العطب، ولابّد من حمايتها. وقد كشفت للودعاء فقط أن يحموها. فإليهم أوحي أن تكون الأرض ضرورية ومؤقتة. ولكن سرعة العطب ليس من سمات الأرض ألصلبة. فالعطب هو فينا نحن البشر، فنحن جُبلنا من تراب، مثل آنية من خزف سريعة العطب. إنّ الكنز الذي نحمله قد وضع في آنية سريعة التلف والانكسار، فنحن مهيأون للرجوع إلى هذه الأرض، لاننا بشر مائتون. فالوداعة حسب الكتاب المقدس هي التواضع (عناوين)، وثمة صلة روحية بين التواضع والوداعة. فالتطويبة التي تعطي وراثة الأرض هي صدى لهبة الله لآدم الذي دعي أن يخضع الأرض. (تكوين 1/28).
وليس أن يكون آدم عليها سيّدًا مطلقا. أجل إنه في سلم الخلائق يحتل الدرجة العليا. ولكنه ليس سيدا متى يحكم، لأنه سريع العطب؟
لذا علينا أن نتعامل معها برقة ووداعة، وطريقة السكن تكون مليئة بالنعومة والرقة والوداعة، عندها يستحق أن يرثها للأبد في أورشليم العليا.
الأب يوسف عتيشا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظة لدى مدونة course7 | إتفاقية الإستخدام | Privacy-Policy| سياسة الخصوصية

تصميم : كورس سفن