0010 طُوبَـى لِلْجِيَاعِ وَالْعِطَاشِ إِلَى الْبِرِّ، لأَنَّهُمْ يُشْبَعُونَ

الموعظة على الجبل ­ التطويبات

أصحاح 5

1     وَلَمَّا رَأَى الْجُمُوعَ صَعِدَ إِلَى الْجَبَلِ، فَلَمَّا جَلَسَ تَقَدَّمَ إِلَيْهِ تَلاَمِيذُهُ.
2     فَفتحَ فاهُ وعَلَّمَهُمْ قَائِلاً:
3     «طُوبَـى لِلْمَسَاكِينِ بِالرُّوحِ، لأَنَّ لَهُمْ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ.
4     طُوبَـى لِلْحَزَانَى، لأَنَّهُمْ يَتَعَزَّوْنَ.
5     طُوبَـى لِلْوُدَعَاءِ، لأَنَّهُمْ يَرِثُونَ الأَرْضَ.
6         

طُوبَـى لِلْجِيَاعِ وَالْعِطَاشِ إِلَى الْبِرِّ، لأَنَّهُمْ يُشْبَعُونَ




الجوع والعطش

الإنسان الجسداني، الذي يهتم باحتياجات جسده فقط، يشعر بالجوع والعطش الجسداني ويسعى باستمرار لإشباع هذا الجسد بكل الوسائل. ولكنه لا يشعر بأن روحه هي أيضًا تحتاج إلى الغذاء والشراب الروحي. ولهذا فهو يترك روحه بلا غذاء ولا شراب، وتضعف الروح ويضعف تأثيرها على الجسد وتفقد قدرتها على قيادته.
فالسيد المسيح بقوله: "طوبى للجياع والعطاش إلى البر"، فإنه يمدح ويغبط ويطوّب أولئك الذين يشعرون بأهمية الجانب الروحي في حياتهم، فلا ينشغلون باحتياجات الجسد عن احتياجات الروح. ولذلك فهم يمارسون الصوم مع الصلاة لكي تأخذ الروح فرصتها وغذاءها.
الروح تغتذي بكلام الله، وترتوي من مياه النعمة، أي من سكيب الروح القدسوتشتاق دائمًا أن تنال نصيبها لتحيا وتنمو في معرفة الله وفي محبتهوهذا هو معنى الجوع والعطش إلى البر الذي في المسيح.


معنى البر

البر المقصود في كلام السيد المسيح، هو بر الله في المسيح يسوع.. فليس هناك بر حقيقي بدون المسيح.
ويتضح ذلك من كلام القديس بولس الرسول "بر الله بالإيمان بيسوع المسيح إلى كل وعلى كل الذين يؤمنون" (رو3: 22)، "الفداء الذي بيسوع المسيح الذي قدمه الله كفارة.. ليكون بارًا ويبرر من هو من الإيمان بيسوع" (رو3: 24-26).
فلا يوجد بر إلا بالإيمان بالمسيح.. أما أي بر آخر فيه اتكال على الذات فهو يعطل البر الذي في الإيمان. مثلما قيل على اليهود الذين إذ أرادوا أن يثبتوا بر أنفسهم لم يدركوا البر الحقيقي. وهذا شرحه أيضًا القديس بولس الرسول بقوله: "إن الأمم الذين لم يسعوا في أثر ناموس البر أدركوا البر. البر الذي بالإيمان. ولكن إسرائيل وهو يسعى في أثر ناموس البر، لم يدرك ناموس البر. لماذا؟ لأنه فعل ذلك ليس بالإيمان، بل كأنه بأعمال الناموس" (رو9: 30-32).
فالإنسان الذي يسعى لإثبات بر نفسه -بعيدًا عن الإيمان بالمسيح- يفقد فرصة التمتع ببر المسيح.
وقد لقب السيد المسيح بلقب "البار"، مثلما قال بطرس الرسول عنه لليهود بعد معجزة شفاء الأعرج عند باب الهيكل"أنتم أنكرتم القدوس البار وطلبتم أن يوهب لكم رجل قاتل. ورئيس الحياة قتلتموه، الذي أقامه الله من الأموات ونحن شهود لذلك" (أع3: 14، 15)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وكذلك القديس اسطفانوس رئيس الشمامسة وأول الشهداء قال نفس اللقب عن السيد المسيح أمام مجمع اليهود: "أي الأنبياء لم يضطهده آباؤكم وقد قتلوا الذين سبقوا فأنبأوا بمجيء البار الذي أنتم الآن صرتم مسلميه وقاتليه" (أع7: 52).
كذلك حنانيا أسقف دمشق الذي عمّد بولس الرسول قال له وقت عماده: "إله آبائنا انتخبك لتعلم مشيئته وتبصر البار وتسمع صوتًا من فمه" (أع22: 14)، وكان السيد المسيح قد ظهر لشاول الطرسوسي الذي هو بولس الرسول وتكلم معه وهو في طريقه إلى دمشق.
وقد ورد هذا اللقب عن السيد المسيح أيضًا في كتب العهد القديم وذلك في نبوةإرميا النبي في قوله: "ها أيام تأتى يقول الرب وأقيم لداود غصن بر فيملك ملك وينجح ويُجرى حقًا وعدلًا في الأرض في أيامه يخلص يهوذا ويسكن إسرائيل آمنًا. وهذا هو اسمه الذي يدعونه به الرب برنا" (أر23: 5، 6). ومن الواضح أن هذا اللقب هو من ألقاب الله "الرب برنا"وذلك لأن السيد المسيح هو الله الظاهر في الجسد، أي الله الكلمة المتجسد.
فإذا كان السيد المسيح هو "الرب برنا"، فإن من يشتاق إلى البر - يشتاق إلى السيد المسيح.
فالإنسان الذي يجوع ويعطش إلى البر، هو يجوع ويعطش إلى المسيح "البار"وإلى النعمة التي يمنحها للمؤمنين باسمه القدوس.. ومن يجوع إلى المسيح هو من يسعى ليغتذي بجسده المقدس حسبما قال "أنا هو الخبز الحي الذي نزل من السماء.. فمن يأكلني فهو يحيا بي" (يو6: 51، 57).
من يجوع ويعطش إلى البر، هو من يسعى للامتلاء بالروح القدس من خلال وسائط النعمة التي رتبها السيد المسيح في كنيسته المجيدة. فالامتلاء بالروح القدسهو ما قال عنه السيد المسيح: "من آمن بي كما قال الكتاب تجرى من بطنه أنهار ماء حي. قال هذا عن الروح الذي كان المؤمنون به مزمعين أن يقبلوه" (يو7: 38، 39).




فإنهم يشبعون

إن عطايا الله تنتظر من يريدها.. مثلما قال الآباء[الفضيلة تريدك أن تريدها]. الجوع إلى البر يؤدى إلى الشبع.
والعطش إلى البر يؤدى إلى الارتواء كقول الرب للمرأة السامرية عن الماء المادي "من يشرب من هذا الماء يعطش أيضًا ولكن من يشرب من الماء الذي أعطيه أنا فلن يعطش إلى الأبد" (يو4: 13، 14).
الله يمنح عطاياه لمن يرغب فيها.. لمن يشعر بقيمتها فيضحى للحصول عليها.. لمن يعرف أن كنوز العالم كله لا تساويها.. لأنها هي العطية الفائقة والعظمى..



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظة لدى مدونة course7 | إتفاقية الإستخدام | Privacy-Policy| سياسة الخصوصية

تصميم : كورس سفن