0018 إِكمال الناموس

إِكمال الناموس

17   «لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ.
18   فَإِنِّي الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِلَى أَنْ تَزُولَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ لاَ يَزُولُ حَرْفٌ وَاحِدٌ أَوْ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ النَّامُوسِ حَتَّى يَكُونَ الْكُلُّ.
19   فَمَنْ نَقَضَ إِحْدَى هذِهِ الْوَصَايَا الصُّغْرَى وَعَلَّمَ النَّاسَ هكَذَا، يُدْعَى أَصْغَرَ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ. وَأَمَّا مَنْ عَمِلَ وَعَلَّمَ، فَهذَا يُدْعَى عَظِيمًا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ.

20   فَإِنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّكُمْ إِنْ لَمْ يَزِدْ بِرُّكُمْ عَلَى الْكَتَبَةِ وَالْفَرِّيسِيِّينَ لَنْ تَدْخُلُوا مَلَكُوتَ السَّماوَاتِ.












58- ما جئت لأنقض بل لأكمل


 بعد أن عدّد السيد المسيح التطويبات الرائعة ودعوته لتلاميذه أن يكونوا ملحًا للأرض ونورًا للعالم، انتقل في موعظته الخالدة إلى مجال آخر من التعليم: وهو شرح علاقة وصايا العهد الجديد بوصايا العهد القديم، وعلاقة ما كتبه الأنبياء في العهد القديم بما سوف يُكتب في الأناجيل المقدسة وباقي أسفار العهد الجديد فقال: "لا تظنوا أنى جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء. ما جئت لأنقض بل لأكمل" (مت5: 17).
الله هو هو نفسه الذي أعطى شريعة العهد القديم وشريعة العهد الجديد.. الذي تكلم مع موسى على جبل سيناء هو نفسه الذي تكلم مع التلاميذ في الموعظة على الجبل.. الله لم يتغيّر على الإطلاق، ولكن حال الإنسان هو الذي تغيّر بمجيء المخلص. كقول إشعياء النبي "الشعب السالك في الظلمة أبصر نورًا عظيمًا" (إش9: 2).
لم يقصد السيد المسيح أن ينقض شريعة العهد القديم، بل احتفظ بكل جوهرها.. لهذا قال بفمه الإلهي: "ما جئت لأنقض بل لأكمّل" (مت5: 17).
ففي وصية "لا تزن" (خر20: 14، تث5: 18) التي قيلت للقدماء، لم يكتف السيد المسيح بعدم الزنى الفعلي بل قال"كل من ينظر إلى امرأة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه" (مت5: 28).
أي أن الإنسان ينبغي أن يتحرر من الخطية من الداخل، وليس من الخارج فقط. لأن السيد المسيح قد جاء ليحرر الإنسان من سبى الخطية، ومن عبودية الشيطانوتأثيراته. وقال للجميع: "إن حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحرارًا" (يو8: 36).

الحرية الكاملة من الخطية داخليًا وخارجيًا يلزمها عطية النعمة التي منحها الله لأولاده في العهد الجديد.

شريعة الكمال

وصايا العهد الجديد هي كمال الوصية، ولذلك تطلق الكنيسة على السيد المسيح (مشرع شريعة الكمال وواضع ناموس الأفضال).
إن وصية عدم الزنى الفعلي؛ تطوّرت إلى عدم الزنا لا بالفعل ولا بالفكر.
ووصية عدم القتل؛ تطوّرت إلى وصية عدم الغضب وعدم الكراهية في القلب.
ووصية عدم الحنث بالقسم؛ تطوّرت إلى وصية عدم القسم على الإطلاق.
ووصية محبة القريب وبغض العدو؛ تطوّرت إلى وصية محبة الأعداء، والإحسان إليهم، والصلاة من أجل خلاصهم من الهلاك الأبدي وعبودية الشيطان. واتسع مفهوم القريب إلى كل إنسان في البشرية، وانحصر مفهوم بغضة العدو في بغضة الشيطان والشر بصفة عامة.
ووصية من طلق امرأته (لأي سبب) فليعطها كتاب طلاق؛ تطوّرت إلى عدم السماح بالطلاق بين زوجين مسيحيين إلا لعلة الزنا.. ولا زواج للمطلقين لخطئهم.
لقد عاشت البشرية في ظل شريعة الناموس وهى شريعة الجسد أو شريعة العبودية زمنًا طويلًا حتى جاء السيد المسيح وأعطى شريعة البنوة التي هي شريعة الكمال. وإلا فما فائدة تجسد ابن الله الوحيد ومجيئه إلى العالم وصلبه وموته وقيامته وإرساله الروح القدس لتولد الكنيسة في يوم الخمسين؟!
البعض ينتقدون شريعة العهد القديم. ولكن هذا النقد غير لائق. لأن الإنسان لم يكن يحتمل أن يحيا حسب شريعة الكمال بدون الفداء، والميلاد الفوقاني، ومعونة الروح القدس وعمله في أسرار الكنيسة السبعة.
الوصية مقدسة؛ ولكن الإنسان لم يكن بإمكانه أن ينفذ أكثر مما ورد في شريعة موسى قبل إتمام الفداء.
ربما توجد لمحات أو تجليات في ظروف خاصة أشارت إلى حياة العهد الجديد مثل امتناع داود الملك الممسوح عن قتل شاول الملك المرفوض، الذي كان يطارده بغية قتله؛ لأنه قال: "حاشا لي من قِبل الرب أن أمد يدي إلى مسيح الرب" (1صم26: 11). ولكن داود النبي في موقف آخر قتل قائدًا مخلِصًا من قواده في الجيش هو "أوريا الحثي" في محاولة منه لإخفاء خطيته مع بتشبع زوجة أوريا (انظر 2صم 11).
لم يكن من الممكن أن يُطالب الله البشر من أبنائه بحياة الكمال وبوصايا الكمال إلا في عهد النعمة والمصالحة والخلاص والتجديد.
كيف يطالب الله الإنسان بمحبة الأعداء، قبل أن يمنحه قلبًا جديدًا نقيًا مؤيدًا بقوة الروح القدس الذي يمنح الإنسان المتمتع بالخليقة الجديدة ثمرة المحبة. لأن "ثمر الروح فهو محبة فرح سلام طول أناة لطف صلاح إيمان" (غل5: 22).
إن ثمرة المحبة التي يمنحها الروح القدس للإنسان هي ثمرة فائقة للطبيعة بقدرات فائقة لا يقوى عليها البشر العاديون. ولكن ينالها المؤمنون الذين يقبلون الروح القدس بعد التجديد بحميم الميلاد الجديد.

تجديد الروح القدس

 تكلّم معلمنا بولس الرسول عن حالة الإنسان في العهد الجديد الذي يؤمن إيمانًا حقيقيًا بالمسيح وينال العماد المقدس بواسطة الكنيسة وينقاد بالروح القدس، متحررًا من الإنسان العتيق الذي ولد به بحسب الجسد من أبويه؛ فقال في رسالته إلى تلميذه الأسقف تيطس: "ولكن حين ظهر لطف مخلصنا الله وإحسانه لا بأعمال في بر عملناها نحن بل بمقتضى رحمته خلصنا بغُسْل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس الذي سكبه بغنى علينا بيسوع المسيح مخلصنا" (تى3: 4-6).
هذا هو السر في وصايا العهد الجديد: إن الإنسان بنيله البنوة لله والتجديد بالميلاد الفوقاني، وبثباته في المسيح بوسائط النعمة، يستطيع أن يسلك في شريعة الكمال المسيحي. ويتحقق فيه قول السيد المسيح: "كونوا أنتم كاملين كما أن أباكم الذي في السماوات هو كامل" (مت5: 48)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وكذلك قول معلمنا بطرس الرسول: "نظير القدوس الذي دعاكم كونوا أنتم أيضًا قديسين في كل سيرة" (1بط1: 15).
إن الرب لم يتغيّر بين العهد القديم والعهد الجديد. ولكن الإنسان هو الذي تغيّر وهكذا كان يلزم أن تأتى الوصية في كمالها بعد حدوث التغيير لأن "المولود من الجسد جسد هو والمولود من الروح هو روح" (يو3: 6).
في العهد القديم كان الناموس والكهنوت اللاوي والذبائح الحيوانية، وفي العهد الجديد جاءت وصايا الكمال والكهنوت المسيحي والذبيحة الكاملة لابن الله الوحيد "فإن الناموس يقيم أناسًا بهم ضعف رؤساء كهنة. وأما كلمة القسم التي بعد الناموس فتقيم ابناً مكملًا إلى الأبد" (عب7: 28).

إله العهدين

 البعض يتصورون أن إله العهد القديم يختلف عن إله العهد الجديد. ولكن الله لم يتغيّر، وهذا هو السبب في الوصول بالإنسان إلى وصايا الكمال التي للعهد الجديد.
الفرق بين شريعة العهد القديم وشريعة العهد الجديد يجعلنا نشعر بقيمة الفداء والتجديد الذي أجراه السيد المسيحبموته المحيى، وبإرساله للروح القدس حسب وعد الآب لخلاص المؤمنين.
لم يكن من الممكن أن يطالب الله الإنسان بأكثر مما طلبه منه في شريعة العهد القديم مثل وصية "تحب قريبك وتبغض عدوك" (مت5: 43). لأن محبة القريب في حد ذاتها لم تكن سهلة على الإنسان الذي عاش في العداوة مع الله ومع نفسه ومع أخيه الإنسان.
هذه العداوة القديمة التي سببتها الخطية قد هدمها السيد المسيح بصليبه المحيى مثل قول الكتاب "ويصالح الاثنين في جسد واحد مع الله بالصليب قاتلًا العداوة به" (أف2: 16).
لم يكن الإنسان أيضًا في العهد القديم يملك سيف الروح الذي قال عنه السيد المسيح "أُعطيكم فمًا وحكمة لا يقدر جميع معانديكم أن يقاوموها أو يناقضوها" (لو21: 15) وقال أيضًا: "لستم أنتم المتكلمين بل روح أبيكم الذي يتكلم فيكم" (مت10: 20). ولذلك كان أسلوب الإنسان المتعبد لله في مقاومته لحروب الوثنيين يختلف في العهد القديم عنه في العهد الجديد.
الله لم يتغيّر، ولكن حال الإنسان هو الذي تغيّر بمصالحته مع الله وبتجديده "بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس" (تى3: 5).

الناموس والأنبياء

 قال السيد المسيح لتلاميذه بعد الصلب والقيامة: "لابد أن يتم جميع ما هو مكتوب عنى في ناموس موسى والأنبياء والمزامير" (لو24: 44)
وبهذا أوضح الرب أهمية أسفار العهد القديم، وأنها موحى بها من الله، وأنها كلام إلهي، كل ما فيه صدق ولابد أن يتحقق.
وعندما ظهر لتلاميذه بعد القيامة "حينئذ فتح ذهنهم ليفهموا الكتب" (لو24: 45).

إن كتب العهد القديم في شهادتها للسيد المسيح وكل ما يخص رسالته الخلاصية هي من أعظم الأدلة على صدق الديانة المسيحية.. لأن الله قد سبق فأنبأ بفم أنبيائه القديسين عن "الخلاص الذي فتش وبحث عنه أنبياء الذين تنبأوا عن النعمة التي لأجلكم باحثين أي وقت أو ما الوقت الذي كان يدل عليه روح المسيح الذي فيهم إذ سبق فشهد بالآلام التي للمسيح والأمجاد التي بعدها. الذين أُعلن لهم أنهم ليس لأنفسهم بل لنا كانوا يخدمون بهذه الأمور التي أُخبرتم بها أنتم الآن بواسطة الذين بشّروكم في الروح القدس المرسل من السماء" (1بط1: 10-12).








59- لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة


بعد أن أوضح السيد المسيح أنه لم يأت لينقض الناموس أو الأنبياء، وأنه ما جاء لينقض بل ليكمل. أكد هذه الحقيقة بقوله:
"فإني الحق أقول لكم إلى أن تزول السماء والأرض، لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل" (مت5: 18).
ورد في إنجيل القديس يوحنا قوله أن "الناموس بموسى أعطى وأما النعمة والحق فبيسوع المسيح صارا" (يو1: 17).
استلم موسى النبي الوصايا العشر المكتوبة بأصبع الله على لوحين من حجارة.
وأعطاه الرب تعاليم أخرى كثيرة تظهر قداسة الله ومقاصده وتدابيره من نحو البشر. وكانت الوصايا والتعاليم المعبّرة عن المقاصد الإلهية هي بإلهام من الروح القدس. وهذا الإلهام هو أمر فائق للطبيعة يتجاوز قدرات الإنسان الطبيعية، ويتجاوز اعتبارات الزمان والمكان "لم تأتِ نبوة قط بمشيئة إنسان بل تكلم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس" (2بط1: 21).

لذلك فكل كلمة، وكل حرف، وكل نقطة لها مغزاها ومعناها الكبير. خاصة عند كتابة أسفار بلغة يتغير فيها المعنى بتغيير النقاط التي فوق أو تحت الحروف. وهذا معروف في اللغة العبرية، كما هو معروف فياللغة العربية.
وكانت الكلمات الموحى بها من الله تحمل في طياتها مسائل غاية في الدقة والإتقان. وبالرغم من أن كتبة الأسفار المقدسة قد استخدموا اللغة التي يفهمونها، والمعرفة التي تلقونها.. إلا أن 
الروح القدس قد أوحى بما سجلوه من كلمات في اللغات الأصلية للكتب المقدسة لكي تعبر تعبيرًا دقيقًا عن مقاصد الله.
ومن أمثلة أهمية دقة التعبير في الكتاب المقدس، ما أشار إليه القديس بولس الرسول في قوله: "وأما المواعيد فقيلت في إبراهيم وفي نسله. لا يقول وفي الأنسال كأنه عن كثيرين بل كأنه عن واحد. وفي نسلك الذي هو المسيح" (غل3: 16). هنا يشير معلمنا بولس الرسول إلى وعد اللهلإبراهيم المدون في سفر التكوين "ويتبارك في نسلك جميع أممالأرض" (تك22: 18). ومن الواضح أن الكلمة كما وردت في النص الأصلي بصيغة المفرد "نسلك" وليس في صيغة الجمع "الأنسال". ويؤكد القديس بولس أن المقصود هو شخص السيد المسيح على وجه التحديد وليس كل نسل إبراهيم.
كذلك في نبوة إشعياء النبي "ها العذراء تحبل وتلد ابنًا وتدعو اسمه عمانوئيل" (إش7: 14). وردت الكلمة في النص العبري لتعنى "عذراء"وليس مجرد "فتاة"أو "شابة". والكلمة مقصودة لتشير إلى الحبل البتولي بدون زرع بشر للسيدة العذراء في السيد المسيح كقول الملاك ليوسف خطيبها: "أن الذي حُبل به فيها هو من الروح القدس" (مت1: 20). وبالرغم من غرابة التعبير في وقت كتابته في زمن إشعياء النبي إلا أن الروح القدس قد قصد ذلك بصورة مؤكّدة.
لقد تحققت جميع أقوال الله في الكتب المقدسة، وكان الناموس ضروريًا للتمهيد لمجيء السيد المسيح كقول القديس بولس: "إذًا قد كان الناموسمؤدبنا إلى المسيح لكي نتبرر بالإيمان" (غل3: 24).
فعلًا لم تتحطم الأقوال التي أعلن بها الله مقاصده في الناموس ولذلك قالالسيد المسيح: "إلى أن تزول السماء والأرض، لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل" (مت5: 18).
أي سوف تتحقق كل أقوال الناموس ولن تزول حتى تتحقق، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. فعبارة "حتى يكون الكل" تُعنى حتى يتحقق كل ما قيل في الناموس، وكل ما أشار إليه الناموس من رموز تشير إلى مجيء السيد المسيح وعمله في خلاص البشرية حتى نهاية الدهر.
لم يكن عبثًا على الإطلاق ما دوّنه موسى في أسفاره الخمسة وسوف تظل أقوال الله مصدرًا للإلهام على مدى الأجيال.

وها نحن نقف في انبهار أمام كلمات داود النبي والملك "اكشف عن عيني فأرى عجائب من شريعتك.. طريق وصاياك فهمني فأناجى بعجائبك.. دربني في سبيل وصاياك لأني به سررت.. أتلذذ بوصاياك التي أحببت. وأرفع يدي إلى وصاياك التي وددت وأناجى بفرائضك.. شريعة فمك خير لي من ألوف ذهب وفضة.. لكل كمال رأيت حدًا. أما وصيتك فواسعة جدًا" (مز118).




60- من نقض إحدى هذه الوصايا


 بعد أن تكلّم السيد المسيح عن شريعة الكمال المسيحية في ضوء شريعة العهد القديم التي شهدت للمسيح ومهدت لمجيئه ولشريعته الكاملة قال: "فمن نقض إحدى هذه الوصايا الصغرى وعلّم الناس هكذا يُدعى أصغر في ملكوت السماوات. وأما من عمل وعلّم فهذا يُدعى عظيمًا في ملكوت السماوات. فإني أقول لكم إنكم إن لم يزِد بركم على الكتبة والفريسيين، لن تدخلوا ملكوت السماوات" (مت5: 19، 20).


 يقول 
معلمنا بولس الرسول عن مثل هؤلاء: "لأنهم إذ كان يجهلون بر الله، ويطلبون أن يثبتوا بر أنفسهم لم يخضعوا لبر الله لأن غاية الناموس هي المسيح للبر لكل من يؤمن" (رو10: 3، 4).ما هو بر الكتبة والفريسيين؟

أي أن الكتبة والفريسيين قد أرادوا أن يثبتوا بر أنفسهم بممارسة بعض الأمور الشكلية في الناموس ولم يبحثوا عن قصد الله الحقيقي من الوصية كقول بولس الرسول أيضًا: "وأما غاية الوصية فهي المحبة من قلب طاهر وضمير صالح وإيمان بلا رياء، الأمور التي إذ زاغ قوم عنها انحرفوا إلى كلام باطل يريدون أن يكونوا معلمي الناموس وهم لا يفهمون ما يقولون ولا ما يقررونه" (1تى1: 5-7). باسمالناموس صلب الكتبة والفريسيون السيد المسيح لأنهم زاغوا عن الحق ولم يفهموا الوصية.
لذلك وبّخ بطرس الرسول اليهود على قساوة قلوبهم واندفاعهم وراء مشورة المرائين فقال: "ولكن أنتم أنكرتم القدوس البار وطلبتم أن يوهب لكم رجل قاتل ورئيس الحياة قتلتموه الذي أقامه الله من الأموات ونحن شهود لذلك" (أع3: 14، 15).
وقد وبّخ السيد المسيح الكتبة والفريسيين المرائين الذي يطيلون الصلوات للتباهي ويعشرون الشبث والنعنع.. وفي نفس الوقت يأكلون بيوت الأرامل وتركوا عنهم أثقلالناموس الرحمة والحق والإيمان (انظر مت23: 23).
كذلك وبَخ القديس بولس الرسول أمثال هؤلاء فقال: "هوذا أنت تسمى يهوديًا وتتكل على الناموس وتفتخر بالله، وتعرف مشيئته، وتميز الأمور المتخالفة متعلمًا منالناموس، وتثق أنك قائد للعميان ونور للذين في الظلمة، ومهذّب للأغبياء، ومعلّم للأطفال، ولك صورة العلم والحق في الناموس. فأنت إذًا الذي تعلّم غيرك ألست تعلّم نفسك. الذي تكرز أن لا يُسرق، أتسرق؟ الذي تقول أن لا يُزنى، أتزني؟ الذي تستكره الأوثان، أتسرق الهياكل؟ الذي تفتخر بالناموس، أبتعدي الناموس تُهين الله؟ لأن اسم الله يُجدّف عليه بسببكم بين الأمم كما هو مكتوب" (رو2: 17-24).
لهذا قال السيد المسيح لتلاميذه: "إن لم يزِد بركم على الكتبة والفريسيين لن تدخلواملكوت السماوات" (مت5: 20). أي أنه ينبغي أن يسلكوا الوصية الإلهية بحسب غايتها الحقيقية وهى المحبة لله وللقريب من قلب طاهر وضمير صالح وإيمان بلا رياء، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وحتمًا، يكون هذا الإيمان هو في المسيح الذي أعلن لنا محبة الله وقداسته وصالحنا مع الله أبيه لنسلك في القداسة والوصية الإلهية بكل حرص وبلا لوم.
عن هذا المعنى قال معلمنا بولس الرسول: "وأما الآن فقد ظهر بر الله بدون الناموس، مشهودًا له من الناموس والأنبياء. بر الله بالإيمان بيسوع المسيح إلى كل وعلى كل الذين يؤمنون" (رو3: 21، 22). لم يفرق الله بين اليهود والأمم في دعوة الجميع إلى الخلاص بالإيمان والتوبة والمعمودية والثبات في المسيح.

أما عن قول السيد المسيح: "من نقض إحدى هذه الوصايا الصغرى وعلّم الناس هكذا" (مت5: 19). فهو يقصد أن الكتبة والفريسيين كما سبق أن شرحنا كانوا ينقضون الوصايا في الخفاء أو العلن. وفي نفس الوقت يعلمون الناس حفظ الوصية. فمثل هؤلاء يسلكون في الرياء ويكونون محتقرين وليس لهم موضع فيملكوت السماوات. أما من عمل وعلّم فهذا يدعى عظيمًا في ملكوت السماوات" (مت5: 19).



61- وصايا الكمال لشريعة العهد الجديد


بعد أن تكلّم السيد المسيح عن أهمية الناموس والأنبياء في التمهيد للعهد الجديد، بحيث يكمل كل شيء ورد في العهد القديم بالعهد الجديد. وعن أهمية حفظ جميع الوصايا بالفعل والقول. وتخطى بر الكتبة والفريسيين بقبول بر الله في المسيح يسوع.. بدأ -له المجد- ينطق بوصايا الكمال التي لشريعة العهد الجديد.
جاءت الموعظة على الجبل مثل خطاب العرش، من صاحب كرسي التعليم الأعظم المذخّر فيه كل كنوز الحكمة والمعرفة والعلم.

وجاءت الموعظة على الجبل لتشهد لروعة وسمو صاحب الرسالة وواضع شريعة الكمال. ولا يفوتنا أن نلاحظ قوله المتكرر "وأما أنا فأقول لكم". لأنه هو صاحب الشريعة ومعطيها.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظة لدى مدونة course7 | إتفاقية الإستخدام | Privacy-Policy| سياسة الخصوصية

تصميم : كورس سفن